هجرة السعوديين- بحث عن السعادة أم هروب من القيود؟

المؤلف: إدريس الدريس08.18.2025
هجرة السعوديين- بحث عن السعادة أم هروب من القيود؟

إنني في حيرة من أمري إذا ما شعرت أن أحد الزملاء قد استلهم فكرة كانت حبيسة خاطري، وعبّر عنها قبل أن تتاح لي فرصة الكتابة والنشر. والأدهى من ذلك أن يكون هذا الزميل يشاركني نفس المنبر الإعلامي، وينشر أفكارًا تشبه أفكاري وكأنها صدى لها. هذا بالضبط ما حدث لي مع الأستاذ محمد الساعد، عندما نشر مقالًا بعنوان "من قتل السعوديين في تركيا؟"، حيث قام بتحليل عميق ومؤثر للدوافع التي تدفع السعوديين للهجرة، سواء كانت فردية أو جماعية، مستغلين كل فرصة سانحة، قصيرة كانت أم طويلة. تراهم ينتشرون في شتى بقاع الأرض، حتى أن البعض بدأ يتهكم ويتساءل عن العدد الحقيقي لسكان المملكة، وذلك لكثرة وجودهم في الخارج خلال الإجازات. هذه السخرية الظاهرية تحمل في طياتها تعبيرًا ضمنيًا عن رغبة السعوديين في الابتعاد عن بلادهم، ولو لفترة وجيزة، بحثًا عن السعادة والتحرر من القيود الصارمة والتشدد الذي يفسد جمال أي مكان، سواء كان جبلًا أو سهلًا. فالسعادة الحقيقية لا تكمن فقط في جمال المكان، بل في الحرية والبساطة والعفوية والعيش بلا تصنّع. فلو كان الأمر غير ذلك، لتوجهت العائلات السعودية إلى مصايف عسير أو سواحل الوجه وأملج أو منتجعات جدة والمنطقة الشرقية وغيرها من الوجهات السياحية الداخلية. لكن معظم الناس - كما أشار الساعد - تتوق إلى السياحة الحلال، ولكن دون الشعور بأنها محاطة بهاجس الكبت والمنع والتجسس، وأن تكون بمنأى عن التأويلات السلبية لكل سلوك أو مظهر لا يتوافق مع رؤية بعض المتشددين.

ما ذكرته أعلاه هو ما كنت أعتزم كتابته ونشره، لولا هذا الاستباق الذي حدث دون سابق إنذار. ولكن ما يخفف وطأة الأمر هو أن الأخ محمد قد تحدث بلساني وبلسان غالبية المواطنين الذين يترقبون أي إجازة، مهما قصرت أو طالت، للانطلاق نحو آفاق الدنيا. ولا أظن أنهم ينعمون بالراحة التامة وهم يفعلون ذلك، ويكبدون أنفسهم مبالغ باهظة لتغطية تكاليف السفر، على الرغم من أن أوضاعهم المادية قد لا تسمح لهم بتحمل هذه الأعباء. ولكنها الطبيعة البشرية التي تنفر من القيود وتسعى جاهدة إلى العفوية والبساطة في ممارسة حياتها وأسلوب معيشتها. ومع ذلك، فإن واقعنا الاجتماعي لا يزال يشير إلى خلاف ذلك، بل إن الأمر قد تجاوز الحدود. فلم تعد الوصاية مقتصرة على من هم داخل البلاد، بل امتدت لتشمل أولئك الذين قُدّر لهم أن يتواجدوا في ذلك المطعم التركي في تلك الليلة المشؤومة. لم يكلف هؤلاء المتطرفون أنفسهم عناء النظر إلى فظاعة الجرم الشنيع الذي ارتكبه الإرهابيون، والذي ترفضه جميع الأديان والشرائع والقيم السماوية والإنسانية. وبدلًا من ذلك، انشغلوا بالبحث عن سبب وجود الضحايا من المواطنين في هذا المطعم، في محاولة للتأويل والتخمين لا يمارسها مسلم سليم الفطرة. إنه التطرف والتشدد والانفلات الذي يجب أن يتم تقييده بقانون عقابي رادع، يتم تشريعه على الفور ويتم تطبيقه وإعلانه على الملأ، مع الكشف عن أسماء وصور المتورطين في هذه الأعمال الخسيسة التي لا تبيحها شريعة ولا عرف، ولا تصدر إلا عن نفس مريضة مهووسة بهاجس التطهير وادعاء التقوى، وما يؤدي إليه حال هؤلاء من وصاية على الناس وتزكيتهم أو إقصائهم من رحمة الله. لا بد من العقاب وإعلانه، ليعلم الجميع أن أعراض الناس ليست مباحة لأهواء الآخرين، وليست ساحة مفتوحة لمن في قلوبهم مرض ولمن يظنون أنهم يمتلكون صكوك الغفران يوزعونها كيفما أرادوا.

يساورني القلق من أن يقال إن التشريعات والقوانين التي تحمي الأفراد من التعدي والتشهير عبر وسائل الإعلام المختلفة موجودة بالفعل، ولكنها لا تطبق بسبب عدم إدراك الناس لحقوقهم القانونية في رفع الدعاوى ضد المعتدين. وأخشى أن يعتقد البعض أنه لا جدوى من الادعاء والشكوى، ظنًا منهم أن القانون لن ينصفهم، وأن الشرع قد يتجاوز ذلك في مجاملة متوقعة لمن يتظاهرون بالتقوى والصلاح. ولكنني أؤكد بكل يقين أن هذا الخوف هو الذي يشجع هؤلاء على الاستمرار في غيهم، لعلمهم بأن الناس تخشى من الشكوى. وهذا وهم وظن لا يليق بالواقع ولا ينصف القضاء لدينا. لذلك، لا بد من تضافر جهود المتضررين والتقدم بدعواهم لرفع الظلم وردع هؤلاء المتجاوزين وإيقافهم عند حدهم، ولكي يعلم كل من يتجاوز أو يتعدى على الآخرين أن الجميع سواسية أمام القانون، وأن العدالة ستطالهم لا محالة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة